وفقاً لبحث أجرته PWC الشرق الأوسط لعدد كبير من المنشآت، كان هناك تباعد وانفصال ملحوظ بين استراتيجية المنشأة واستراتيجية الموارد البشرية. ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى عدم وجود فهم واضح من قبل الموارد البشرية للعمل ومتطلباته. الموارد البشرية لديها قدرة هائلة على إضافة القيمة الأكثر أهمية إلى المنشأة، وذلك إذا تمكنت من العمل جنباً إلى جنب مع الإدارة التنفيذية للتنبوء باحتياجات الموظفين، وضمان التعاقب الوظيفي بسلاسة، وغيرها من مهام الموارد البشرية الحقيقية التي تحقق الدعم الاستباقي للمنشأة مما يحقق أهدافها المطلوبة.

وبالنظر إلى وجهة نظر الرؤوساء التنفيذيين فإن 53% من قادة المنشآت يعتقدون بأن استراتيجة الموارد البشرية لا تتكامل مع استراتيجية المنشأة ، بينما يعتقد 70% من الرؤوساء التنفيذيين أن مدير الموارد البشرية يجب أن يكون من اللاعبين الأساسيين في تحقيق استراتيجية المنشأة (المصدر: Gartner). من جهة أخرى ووفقاً لـ PWC فإن 60% من الرؤوساء التنفيذيين يعيدون التفكير في وظائف الموارد البشرية لديهم وما إذا كانت على قدر التحدي أم لا، حيث يرغب الرؤوساء التنفيذيون في أن تكون الموارد البشرية مُكملة لاستراتيجية المنشأة، وبناء القدرات الداخلية على تحقيق تلك الاستراتيجية، وما يعزز من ذلك مقولة لجاك ويلش المدير التنفيذي الأسبق لجنرال إلكتريك حيث أكد على أنه إذا كان المدير المالي لديك أهم من مدير الموارد البشرية فأنت مجنون.

حيث يمكن أن تؤثر استراتيجية إدارة الموارد البشرية على تحقيق استراتيجية المنشأة وذلك من خلال فهم احتياجات العمل وتحدياته، المشاركة في وضع استراتيجية المنشأة، ترجمة استراتيجية المنشأة إلى احتياجات الموارد البشرية، تطوير استراتيجية الموارد البشرية بما يتكامل مع استراتيجية المنشأة، إشراك قادة المنشأة في تطوير مبادرات الموارد البشرية والتي تحدث اختلافاً واضحاً حول كيفية إدارة الموظفين وتطويرهم ومكافأتهم.

فوجود استراتيجية لإدارة الموارد البشرية قائمة على التكامل مع أهداف العمل يدفع المنشأة إلى النجاح وتحقيق الأهداف الاستراتيجية المطلوبة عوضاً عن ان تقضي المنشآت الوقت والمجهود والموارد في إنشاء استراتيجيات أعمال متغيرة. وبغض النظر عن تفاصيل تلك الاستراتيجيات فإن الموظفين هم الذين ينفذونها في نهاية المطاف، وهم صميم كل نجاح في عالم الأعمال. فوفقاً لدراسة أجرتها مؤسسة Gartner تبين أنه مع تحقيق المواءمة بين استراتيجية الموارد البشرية واستراتيجية المنشأة، فإن ذلك يُسهم في تحسن أداء الموظفين بنسبة 21% والاحتفاظ بالموظفين بنسبة 26%، كما أنه مع توفير الدعم الاستراتيجيى من الموارد البشرية للمنشأة وبالذات للشركات الربحية يؤدي الى زيادة إيراد الشركة بنسبة 10% والأرباح بنسبة 12%.

ولتحقيق المواءمة بين استراتيجية الموارد البشرية واستراتيجية المنشأة، علينا نحن – كقادة للموارد البشرية – باتباع عدد من الخطوات. الخطوة الأولى أن تقوم بتحديد مفهوم النجاح مع قادة العمل بالمنشأة، الخطوة الثانية تحديد أهداف الموارد البشرية بما يوائم الأهداف التي تحقق النجاح للمنشأة، الخطوة الثالثة صياغة إجراءات محددة للوصول إلى تلك الأهداف، الخطوة الرابعة إجعل الجميع في المنشأة يقوم بتلك الإجراءات، الخطوة الخامسة والأخيرة أن تقوم بقياس ما تم والتعديل عليه إذا تطلب الأمر، وتقع على الإدارة العليا للمنشأة دور هام في التأكد من فعالية استراتيجية الموارد البشرية من خلال التدقيق المستمر والعلمي لاستراتيجية وأنشطة الموارد البشرية، ومحاولة تصحيح المسار إذا تطلب الأمر من خلال اقتراح تلك الخطوات لتحقيق المواءمة الفعالة بين استراتيجية الموارد البشرية واستراتيجية العمل في المنشأة.

ولتحديد استراتيجية الموارد البشرية وأهدافها علينا بدايةً أن نقوم بفهم الإتجاهات الخارجية في سوق العمل، وفهم ودراسة استراتيجية المنشأة، مما يعطينا رؤية ثاقبة لأهداف المنشأة وطبيعة السوق الذي نعمل فيه، ثم علينا بتحليل قدرات العاملين في المنشأة، من خلال تحديد المهارات القيادية التي يتمتع بها قادة المنشأة، والمهارات العملية والخبرات التي يتمتع بها العاملون، وتحليل نموذج العمل القائم بالمنشأة وإحصاء عدد العاملين، مما يساعدنا على القدرة على التنبوء باحتياجات التوظيف سواءً الداخلية أو الخارجية، وتحليل الفجوات والمخاطر المحتملة في القوى العاملة، ثم تأتي الخطوة الأكثر أهمية وهي تحديد الاستراتيجية ووضع الحلول للمشكلات القائمة والمحتملة من خلال تنفيذ ورش عمل حول استراتيجية الموارد البشرية في المنشأة، وتحديد أولويات تلك الاستراتيجية، ومراجعة الحلول القائمة بالفعل، ثم وضع حلول جديدة بعد تحديد متطلبات تلك الحلول، مما يؤدي بنا إلى إنشاء استراتيجية متكاملة للموارد البشرية، ثم تأتي المرحلة الأخيرة وهي التنفيذ من خلال وضع خطة تنفيذ تفصيلية لإدارة التحول في الاستراتيجية، من خلال مراجعة دورية لإجراءات الموارد البشرية، ووضع خطة تواصل بين المعنيين بالأمر، ثم قياس الأداء وإعداد التقارير للحكم على جودة الاستراتيجية وإذا ما تطلب الأمر القيام ببعض التعديلات ثم المراجعة مرة أخرى. ولقياس النجاح وللتأكد من تحقيق المواءمة بين استراتيجية الموارد البشرية واستراتيجية المنشأة، هناك عدة طرق منها تحليل مقاييس أداء الموظفين، فبتحليلها سيتضح هل يحققون الغايات والأهداف التي تتوافق مع أهداف القسم الذي يعملون به أم لا؟، وهل تتماشى أهداف الإدارة العليا مع أهداف الأقسام؟، وهل تدعم أهداف الأقسام الأهداف الاستراتيجية للمنشأة؟ فستضح النتيجة من خلال وجود أو عدم وجود فجوات أو عدم اتصال حقيقي بين الأهداف في أي من هذه النقاط مما يشير إلى وجود مواءمة من عدمه، كما أن هناك طريقة أخرى لتقييم المواءمة وهي سؤال الموظفين عن استراتيجية العمل بالمنشأة، ومدى تطابق فهم الموظفين لاستراتيجية المنشأة مع ما يقال في مجلس الإدارة واجتماعات الإدارة العليا.